تجمعت الأسرة حول مائدة الطعام، لتناول الإفطار في شهر رمضان الكريم، الشيخ محمد رفعت يرفع أذان المغرب، عبر أثير الإذاعة المصرية، من خلال الراديو المعلق في أحد أركان المنزل، وما أن ينتهي من الأذان.. "هنا القاهرة"، يلفظها الإذاعي الراحل، جلال معوض، في ثبات وثقة، قبل أن ينطلق اللحن الموسيقي المميز.
ذلك الصوت الذي يحفظ نبراته مستمعو إذاعة البرنامج العام عن ظهر قلب، والذي لم يفارقهم لأكثر من 50 عاما، ثم تبدأ الفزورة، وبعد انتهائها يأتيك صوتها ثانية، آمال فهمي، "ونقول ..كمان"، فهي صاحبة أول فكرة لفوازير رمضان، لتذاع عبر أثير شبكة البرنامج العام منذ عام 1955.
ملكة الفوازير
طورت فهمي فكرة الفوازير فيما بعد، مستعينة بـ"الشاعر العظيم بيرم التونسي وكتب 30 فزورة لا تزيد الحلقة على دقيقة، وكانت عن أشياء تتصل بشهر رمضان، مثل: المدفع، المئذنة، القطايف، وكانت الجائزة الأولى وقتها 5 جنيهات، والثانية ثلاثة جنيهات، والثالثة جنيهين، وبعد رحيل بيرم التونسي كتب مفيد فوزي الفوازير لمدة سنة، ومن بعده كتبها صلاح جاهين لمدة 14 سنة، وارتفعت الجوائز تدريجيا حتى وصلت إلى 100 جنيه ثم ألف جنيه".

ومن المواقف التي لا تنساها لـ"فوزاير رمضان" أن "في إحدى السنوات وصلني مليون خطاب (حلول المسابقة)، ما جعل مدير مصلحة البريد يتقدم بشكوى إلى مجلس الوزراء بسبب الضغط على هيئة البريد".
آمال و"اللدغة"
عبر الأثير يتهادى صوت الإذاعية الكبيرة آمال فهمي، اضحا تبرز فيه "لدغة" خفيفة في حرف الراء، والتي كادت تحرمها من الالتحاق بالعمل فى الإذاعة المصرية، دفعتها لأن تفكر في السفر خارج مصر لتعالج اللثغة، لكنها توقفت عندما اكتشفت أن مستمعيها يحبون لثغتها، ويفضّلونها على مذيعات كثيرات تنطلق ألسنتهن في رشاقة، ربما لأنها أجادت مهنتها كإذاعية بدرجة كبيرة، منذ أن التحقت بالعمل في الإذاعة منتصف الأربعينات من القرن الماضي حتى الوقت الحالي.
نشأتها
نشأت آمال في حي عابدين، وكانت تهوى الصحافة قبل الوقوع في حب الإذاعة، إذ تحكي في حوار لها مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، عام 2010، أن بعد تخرجها عملت 6 أشهر في بلاط صاحبة الجلالة مع الكاتب محمد عودة إلى أن نجحت في اختبارات الإذاعة وسلكت طريقها إلى المستمعين.
آمال فهمي على الناصية
"على الناصية" هو البرنامج الذي أدخل "ملكة الحوار" موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية، باعتباره البرنامج الذي تواصل بمذيعته لأكثر من 47 عاما دون توقُّف.
وبدأ برنامج "على الناصية" بصوت الإذاعي إسماعيل عبدالمجيد، وتسلمت "آمال" الراية، منذ عام 1958، محتفية بحلقاته، التي كانت تنهي كل فقرة بسؤال شهير لضيفها: "تحب تسمع إيه؟".
فيما لعب البرنامج دورا كبيرا في جمع التبرعات والمساعدة في علاج المرضى الفقراء، فساهم البرنامج في جمع تبرعات لمعهد القلب، حتى إنه في فترة ما جمع 8 ملايين جنيه خلال سنتين، كما ساهم في إنشاء "مستشفى 57357"، من أول من دعى الدكتور مجدي يعقوب لعمل جراحات مجانية للأطفال.
وقدم برنامج "على الناصية" الدكتور أحمد زويل إلى المستمعين، قبل حصوله على جائزة نوبل بـ14 عاما، كما سجلت حلقة على سطح أكبر سفينة في العالم وهي تعبر قناة السويس، وسجلت حلقة من داخل غواصة تحت البحر من ميناء رأس التين في الإسكندرية، شارحة تفاصيل نزول الغواصة.
آمال والتاريخ

قدمت آمال في بداية مشوارها الإذاعي برنامج "حول العالم"، وقدمت من خلاله تسجيلات نادرة، كان منها تسجيل نادر لـ"هتلر"، وآخر "لنهرو".
وأضافت لتاريخها برنامجا ثانيا اسمه "في خدمتك"، وكان المستمعون يرسلون مشكلاتهم وتحاول عرضها على المسؤولين لحلها، ووفقا لكلامها: "نجح نجاحا كبيرا جدا، حتى إن كان يصلني في اليوم نحو 500 خطاب، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها برنامج يسعى لحل مشكلات المستمعين"، بحسب قولها.

لكنها ترى أن "أحلى" برامجها، كان اسمه "هذه ليلتي"، موضحة: "كان عبارة عن حوار غير مباشر مع الضيف، ومن خلال هذه البرامج استضفت الكثير من الشخصيات الهامة، فتقريبا معظم نجوم الفن والغناء وكل رؤساء تحرير الصحف، إضافة إلى الكثير من رؤساء الدول، منهم الملك حسين، وبن بيلا، وهواري بو مدين".

آمال والسينما
كانت لأول رئيسة لإذاعة "الشرق الأوسط"، قصة مع العندليب الأسمر، عبدالحليم حافظ، الذي طرح عليها فكرة الظهور معه في فيلم "حكاية حب" بشخصيتها الحقيقية فيكون دورها مقابلة مطرب يقدم نفسه للجمهور لأول مرة.
وتحكي آمال في حوار لها مع "الشرق الأوسط": "عرض (عبدالحليم حافظ) عليّ الفكرة، ولكني لم آخذها مأخذ الجد وظننت أنه يمزح معي، ولكني بعد فترة وجدته يتصل بي ليخبرني أن التصوير غدا، وتم التصوير في حديقة الأندلس، وكانت لحظة جميلة جدا بالنسبة لي".
وتابعت: "كان أجري عن الفيلم زجاجة عطر فرنسية أهداها لي عبدالحليم، وإلى الآن الجيل الجديد الذي لا يستمع إلى الراديو يعرفني من فيلم (حكاية حب) وأغنية (بحلم بيك)، ولا أنسى هذه اللحظة أبدا لأني أحب عبدالحليم جدا".
0 التعليقات:
إرسال تعليق